فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {تُقَاةً} في نصبها ثلاثة أوجهٍ، وذلك مَبْنِيٌّ على تفسير {تُقَاةً} ما هي؟
أحدها: أنها منصوبةٌ على المصدرِ، والتقدير: تتقوا منهم اتِّقَاءً، فـ {تُقَاة} واقعة موقع الاتقاء، والعرب تأتي بالمصادر نائبة عن بعضها، والأصل: أن تتقوا اتقاءً- نحو تقتدر اقتدارًا- ولكنهم أتوا بالمصدر على حذف الزوائدِ، كقوله: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] والأصل إنباتًا.
ومثله قول الشاعر: [الوافر]
................................. ** وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمَائَةَ الرِّتَاعَا

أي: اعطائك، ومن ذلك- أيضا- قوله: [الوافر]
................................. ** وَلَيْس بِأنْ تَتَبَّعَ اتِّبَاعَا

وقول الآخر: [الوافر]
وَلاَحَ بِجَانِبِ الْجَبَلَيْنِ مِنْهُ ** رُكَامٌ يَحْفِرُ الأرْضَ احْتِفَارَا

وهذا عكس الآية؛ إذ جاء المصدرُ مُزَادًا فيه، والفعل الناصب له مُجَرَّد من تلك الزوائدِ، ومن مجيء المصدر على غير المصدر قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8].
وقول الآخر: [الرجز أو السريع].
وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الْحِضْبِ

والأصل: تَطَوِّيَّا، والأصل في {تُقَاةً} وقية مصدر على فُعَل من الوقاية. وقد تقدم تفسير هذه المادة، ثم أبدلت الواوُ تاءً مثل تخمة وتكأة وتجاه، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفًا، فصار اللفظ {تقاة} كما ترى بوزن فعلة ومجيء المصدر على فُعَل وفُعَلَة قليل، نحو: التخمة، والتؤدة، والتهمة والتكأة، وانضم إلى ذلك كونها جاءت على غير المصدر، والكثير مجيء المصادرِ جارية على أفعالها.
قيل: وحسَّن مجيءَ هذا المصدر ثلاثيًا كونُ فعله قد حُذِفت زوائده في كثيرٍ من كلامهم، نحو: تقى يتقى.
ومنه قوله: [الطويل]
................................. ** تَقِ اللهَ فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو

وقد تقدم تحقيق ذلك أول البقرة.
الثاني: أنها منصوبة على المفعول به، وذلك على أن {تَتَّقُوا} بمعنى تخافوا، وتكون {تُقَاةً} مصدرًا واقعًا موقعَ المفعول به، وهو ظاهر قول الزمخشريِّ، فإنه قال: إلا أن تَخَافُوا من جهتهم أمرًا يجب اتقاؤه.
وقُرِئَ: {تَقِيَّةً} وقيل- للمتقى-: تُقَاة، وتقية، كقولهم: ضَرْب الأمير- لمضروبه فصار تقديرُ الكلامِ: إلا أن تخافوا منهم أمْرًا مُتَّقًى.
الثالث: أنها منصوبةٌ على الحال، وصاحب الحال فاعل {تَتَّقُوا} وعلى هذا تكون حالًا مؤكدةً لأن معناه مفهوم من عاملها، كقوله: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33]، وقوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] وهو- على هذا- جمع فاعل،- وإن لم يُلْفَظْ بفاعل من هذه المادة- فيكون فاعلًا وفُعَلَة، نحو: رَامٍ ورُمَاة، وغَازٍ وغُزَاة، لأن فُعَلَة يطَّرد جمعًا لِفاعل الوصف، المعتل اللام.
وقيل: بل لعله جمع لفَعِيل أجاز ذلك كلَّه أبو علي الفارسي.
قال شهاب الدينِ: جمع فعيل على فُعَلَة لا يجوز، فإن فَعِيلًا الوصف المعتل اللام يجمع على أفعلاء نحو: غَنِيّ وأغنياء، وتَقِيّ وأتقياء، وصَفِيّ وأصفياء.
فإن قيل: قد جاء فعيل الوصف مجموعًا على فُعَلَة قالوا: كَمِيّ وكُمَاة.
فالجواب: أنه من النادر، بحيثُ لا يُقاس عليه.
وقرأ ابنُ عباس ومجاهدٌ، وأبو رجاء وقتادةُ وأبو حَيْوةَ ويعقوبُ وسهلٌ وعاصمٌ- في رواية المعتل عينه- تتقوا منهم تقيَّة- بوزن مَطِيَّة- وهي مصدر- أيضا- بمعنى تقاة، يقال: اتَّقَى يتقي اتقاءً وتَقْوًى وتُقَاةً وتَقِيَّة وتُقًى، فيجيء مصدر افْتَعَل من هذه المادة على الافتعال، وعلى ما ذكر معه من هذه الأوزانِ، ويقال- أيضا-: تقيت أتقي- ثلاثيًا- تَقِيَّةً وتقوًى وتُقَاةً وتُقًى، والياء في جميع هذه الألفاظ بدل من الواو لما عرفته من الاشتقاق.
وأمال الأخوانِ {تُقَاةً} هنا؛ لأن ألفَها منقلبةٌ عن ياءٍ، ولم يؤثِّرْ حرفُ الاستعلاء في منع الإمالة؛ لأن السبب غيرُ ظاهر، ألا ترى أن سبب الياء الإمالة المقدرة- بخلاف غالب، وطالب، وقادم فإن حرف الاستعلاء- هنا- مؤثِّر؛ لكن سبب الإمالة ظاهر، وهو الكسرة، وعلى هذا يقال: كيف يؤثر مع السبب الظاهر، ولم يؤثر مع المقدَّر وكان العكس أولى.
والجوابُ: أن الكسرة سببٌ منفصلٌ عن الحرف المُمَال- ليس موجودًا فيه- بخلاف الألف المنقلبة عن ياء، فإنها- نفسها- مقتضية للإمالة، فلذلك لم يقاوِمها حرفُ الاستعلاء.
وأمال الكسائي- وحده- {حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] فخرج حمزة عن أصله، وكأن الفرق أن {تُقَاةً}- هذه- رُسِمَتْ بالياء، فلذلك وافق حمزةُ الكسائيَّ عليه، ولذلك قال بعضهم: تَقِيَّة- بوزن مطيّة- كما تقدم؛ لظاهر الرسم، بخلاف {تُقَاتِهِ}.
قال شهاب الدين: وإنما أمعنت في سبب الإمالة هنا؛ لأن بعضهم زعم أن إمالة هذا شاذٌّ؛ لأجل حرف الاستعلاء، وأن سيبويه حكى عن قوم أنَّهم يُميلُون شَيْئًا لا تجوز إمالَته، نحو: رَأيْتُ عِرْقَى بالإمالة، وليس هذا من ذلك؛ لما تقدم لك من أن سبب الإمالة في كسْرِهِ ظاهرٌ.
وقوله: {مِنْهُمْ} متعلق بـ {تَتَّقُوا} أو بمحذوف على أنه حال من {تُقَاةً}؛ لأنه- في الأصل- يجوز أن يكون صفةً لها، فلما قُدِّم نُصِبَ حالًا، هذا إذا لم نجعل {تُقَاةً} حالًا، فأما إذا جعلناها حالًا تعيَّن أن يَتَعلَّق {مِنْهُمْ} بالفعل قبله، ولا يجوز أن يكون حالًا من {تُقَاةً} لفساد المعنى؛ لأن المخاطبين ليسوا من الكافرين. اهـ.

.قال الفخر:

إنما كسرت الذال من يتخذ لأنها مجزوم للنهي، وحركت لاجتماع الساكنين قال الزجاج: ولو رفع على الخبر لجاز، ويكون المعنى على الرفع أن من كان مؤمنًا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر وليًا.
واعلم أن معنى النهي ومعنى الخبر يتقاربأن لانه متى كانت صفة المؤمن أن لا يوالي الكافر كأن لا محالة منهيًا عن موالاة الكافر، ومتى كان منهيًا عن ذلك، كأن لا محالة من شأنه وطريقته أن لا يفعل ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {مِن دُونِ المؤمنين}:

.قال الفخر:

قوله: {مِن دُونِ المؤمنين} أي من غير المؤمنين كقوله: {وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله} [البقرة: 23] أي من غير الله، وذلك لأن لفظ دون مختص بالمكان، تقول: زيد جلس دون عمرو أي في مكان أسفل منه، ثم إن من كان مباينًا لغيره في المكان فهو مغاير له فجعل لفظ دون مستعملًا في معنى غير، ثم قال تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَئ} وفيه حذف، والمعنى فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية يعني أنه منسلخ من ولاية الله تعالى رأسًا، وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي، وموالاة عدوه ضدان قال الشاعر:
تود عدوي ثم تزعم أنني ** صديقك ليس النوك عنك بعازب

ويحتمل أن يكون المعنى: فليس من دين الله في شيء وهذا أبلغ. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية، هذه الآية الكريمة توهم أن اتخاذ الكفار أولياء إذا لم يكن من دون المؤمنين لا بأس به بدليل قوله: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقد جاءت آيات أخر تدل على منع اتخاذهم أولياء مطلقا كقوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}، وكقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} الآية، والجواب عن هذا: أن قوله: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} لا مفهوم له، وقد تقرر في علم الأصول أن دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة له موانع تمنع اعتباره، منها كون تخصيص المنطوق بالذكر لأجل موافقته للواقع كما في هذه الآية؛ لأنها نزلت في قوم والَوْا اليهود دون المؤمنين، فنزلت ناهية عن الصورة الواقعة من غير قصد التخصيص بها، بل موالاة الكفار حرام مطلقا، والعلم عند الله. اهـ.

.قال القرطبي:

ومعنى {فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ} أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء؛ مثل {واسأل القرية} [يوسف: 82].
وحكى سيبويه هو مِني فرسخين أي من أصحابي ومعي. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة}:

.قال الفخر:

قال الحسن أخذ مسيلمة الكذاب رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم نعم نعم، فقال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة، ومحمد رسول قريش، فتركه ودعا الآخر فقال أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ فقال: إني أصم ثلاثا، فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئًا له، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه». واعلم أن نظير هذه الآية قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106]. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقِية في جِدّة الإسلام قبل قوّة المسلمين؛ فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوّهم.
قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يُقتل ولا يأتي مَأْثَما.
وقال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل.
وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك: {إلاّ أن تَتَّقُوا منهم تَقِيَّةً} وقيل: إن المؤمن إذا كان قائمًا بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفًا على نفسه وقلبُه مطمئن بالإيمان.
والتقِية لا تحِل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم.
ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلّب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر؛ بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في النحل إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عطية:

واختلف العلماء في التقية ممن تكون؟ وبأي شيء تكون؟ وأي شيء تبيح؟ فأما الذي تكون منه التقية فكل قادر غالب مكره يخاف منه، فيدخل في ذلك الكفار إذا غلبوا وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر، قال مالك رحمه الله: وزوج المرأة قد يكره، وأما بأي شيء تكون التقية ويترتب حكمها فذلك بخوف القتل وبالخوف على الجوارح وبالضرب بالسوط وبسائر التعذيب، فإذا فعل بالإنسان شيء من هذا أو خافه خوفًا متمكنًا فهو مكره وله حكم التقية، والسجن إكراه والتقييد إكراه والتهديد والوعيد إكراه وعداوة أهل الجاه الجورة تقية، وهذه كلها بحسب حال المكره وبحسب الشيء الذي يكره عليه، فكم من الناس ليس السجن فيهم بإكراه، وكذلك الرجل العظيم يكره بالسجن والضرب غير المتلف ليكفر فهذا لا تتصور تقيته من جهة عظم الشيء الذي طلب منه، ومسائل الإكراه هي من النوع الذي يدخله فقه الحال، وأما أي شيء تبيح فاتفق العلماء على إباحتها للأقوال باللسان من الكفر وما دونه ومن بيع وهبة وطلاق، وإطلاق القول بهذا كله، ومن مداراة ومصانعة، وقال ابن مسعود: ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان، إلا كنت متكلمًا به. واختلف الناس في الأفعال، فقال جماعة من أهل العلم منهم الحسن ومكحول ومسروق: يفعل المكره كل ما حمل عليه مما حرم الله فعله وينجي نفسه بذلك، وقال مسروق: فإن لم يفعل حتى مات دخل النار، وقال كثير من أهل العلم منهم سحنون: بل إن لم يفعل حتى مات فهو مأجور وتركه ذلك المباح أفضل من استعماله، وروي أن عمر بن الخطاب قال في رجل يقال له، نهيت بن الحارث، أخذته الفرس أسيرًا، فعرض عليه شرب الخمر وأكل الخنزير وهدد بالنار، فلم يفعل فقذفوه فيها فبلغ ذلك عمر، فقال: وأما كان عليّ نهيت أن يأكل، وقال جمع كثير من العلماء التقية إنما هي مبيحة للأقوال، فأما الأفعال فلا، روي ذلك عن ابن عباس والربيع والضحاك، وروي ذلك عن سحنون وقال الحسن في الرجل يقال له: اسجد لصنم وإلا قتلناك، قال، إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد يجعل نيته لله، فإن كان إلى غير القبلة فلا وإن قتلوه، قال ابن حبيب: وهذا قول حسن.
قال القاضي: وما يمنعه أن يجعل نيته لله وإن كان لغير قلبه، وفي كتاب الله {فأين ما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115] وفي الشرع إباحة التنفل للمسافر إلى غير القبلة، هذه قواعد مسألة التقية، وأما تشعب مسائلها فكثير لا يقتضي الإيجاز جمعه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن للتقية أحكامًا كثيرة ونحن نذكر بعضها.
الحكم الأول: أن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار، ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان، وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان، بل يجوز أيضا أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة، ولكن بشرط أن يضمر خلافه، وأن يعرض في كل ما يقول، فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب.
الحكم الثاني للتقية: هو أنه لو أفصح بالإيمان والحق حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل، ودليله ما ذكرناه في قصة مسيلمة.
الحكم الثالث للتقية: أنها إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة، وقد تجوز أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين، فذلك غير جائز ألبتة.
الحكم الرابع: ظاهر الآية يدل أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين إلا أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس.
الحكم الخامس: التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة لصون المال يحتمل أن يحكم فيها بالجواز، لقوله صلى الله عليه وسلم: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد» ولأن الحاجة إلى المال شديدة والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء، وجاز الاقتصار على التيمم دفعًا لذلك القدر من نقصان المال، فكيف لا يجوز هاهنا، والله أعلم.
الحكم السادس: قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتًا في أول الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا، وروى عوف عن الحسن: أنه قال التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى، لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

والتقية رخصة، وليست بعزيمة.
قال الإمام أحمد: وقد قيل: إن عرضت على السيف تجيب؟ قال: لا.
وقال إِذا أجاب العالم تقية، والجاهل بجهل، فمتى يتبين الحق؟. اهـ.